جنيف - قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة لجماعة الحوثي تواصل إصدار أحكام تعسفية تُوظَّف كأداة قمع سياسي بحق المعارضين والمستقلين ورجال الأعمال، في انتهاكٍ ممنهج لأبسط معايير العدالة والضمانات القانونية المكفولة بموجب القانون الدولي، مؤكدةً أن الحكم الصادر مؤخرًا بحق المهندس عدنان الحرازي، مدير شركة برودجي سيستمز، يمثّل نموذجًا صارخًا لهذا الانحراف الخطير في عمل المحكمة، وانعكاسًا لاستخدام القضاء كأداة للابتزاز السياسي والاقتصادي، في ظل غياب الاستقلالية وانعدام الضمانات القانونية الأساسية
أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة لجماعة الحوثي، اليوم الأحد 25 أبريل 2025 حكمًا يقضي بسجن المهندس عدنان الحرازي، مدير شركة برودجي سيستمز، لمدة 15 عامًا مع مصادرة أمواله وأصول شركته، في إجراء وصفته سام بأنه تعسفيًا مسيّسًا يفتقر لأبسط مقومات العدالة، وينتهك بشكل صارخ القانون الوطني والمواثيق الدولية ذات الصلة.
وأكدت المنظمة أن هذا الحكم يمثّل خرقًا مباشرًا للمادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل الحق في محاكمة عادلة أمام هيئة مستقلة ومحايدة، مشيرة إلى أن الحرازي لم يُمكَّن من الدفاع عن نفسه بصورة عادلة، ولم تُقدَّم أدلة كافية لإثبات التهم الموجهة إليه، الأمر الذي يضع القضاء في موضع التوظيف السياسي لا في موقع الحياد القانوني.
وشددت المنظمة على أن مصادرة أموال وأصول شركة برودجي سيستمز تُعد انتهاكًا مباشرًا للمادة (17) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تضمن الحق في التملك وعدم الحرمان منه تعسفً، مضيفةً أن هذه الإجراءات تقوّض بيئة الاستثمار في اليمن، وتدفع برجال الأعمال والمستثمرين إلى الهروب، مما يعمّق الأزمة الاقتصادية، ويزيد من البطالة والفقر.
وأكدت سام أن جماعة الحوثي تسعى من خلال هذه الأحكام إلى تحقيق أهداف عدة، أبرزها ترهيب القطاع الخاص، وتعزيز السيطرة الاقتصادية، وتصفية الأصوات المستقلة، فضلًا عن استخدام القضاء وسيلة للابتزاز السياسي والمالي، في ممارسات تعكس نزعة سلطوية تُقوّض مؤسسات الدولة وتُفشل أي جهود للسلام أو التنمية.
وأوضحت سام أن ما يجري في مناطق سيطرة الحوثيين ليس مجرد تجاوز فردي، بل يمثل منظومة ممنهجة تهدف إلى تغييب حيادية القضاء، وتحويله إلى ذراع أمنية ترهب وتخيف المجتمع، مبينةً أن الجماعة ضاعفت من تمكين أجهزتها الأمنية، على حساب إضعاف مؤسسات العدالة وحقوق الأفراد، مما حول القضاء من ملاذ لحماية الحقوق إلى أداة قمع تستخدم لتصفية الحسابات.
ولفتت منظمة سام إلى أن جماعة الحوثي، منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، أنشأت منظومة قضائية موازية، أبرزها المحكمة الجزائية المتخصصة، التي تحولت من جهة مختصة بقضايا الإرهاب إلى أداة قمع ضد السياسيين والصحفيين والنشطاء ورجال الأعمال، ضمن سياسة ممنهجة تُعرف بـ"القضاء المسلح".
وأشارت المنظمة إلى أن هذه المحكمة، التي أُنشئت أساسًا للنظر في قضايا الإرهاب والجريمة المنظمة، خرجت عن إطارها القانوني لتتحول إلى منصة لإصدار أحكام مسيّسة تُستخدم لتصفية الخصوم وتقييد الحريات ومصادرة الممتلكات، في ظل غياب شبه تام لمبدأ استقلالية القضاء. وشددت على أن استمرار هذه الانتهاكات يرسّخ منظومة قمع قضائي تعمل على تقويض الثقة في مؤسسات العدالة، ويؤشر إلى تصعيد خطير في استخدام القضاء كوسيلة لإرهاب المجتمع وتعزيز السيطرة بالقوة.
وأكدت سام أن القضاء اليمني يعاني من ضعف استقلاليته منذ سنوات، لكن الوضع في مناطق الحوثي بات أكثر خطورة، حيث أصبح القضاء خاضعًا بالكامل للسلطة السياسية للجماعة، ويعمل كجهاز أمني موازٍ لا يراعي المعايير القانونية أو الحقوقية، مما حرم المتضررين من إمكانية الانتصاف القانوني.
وأشارت المنظمة إلى أن جماعة الحوثي أصدرت خلال السنوات الماضية عشرات الأحكام بالإعدام والسجن بحق معارضيها، أبرزها إعدام تسعة شبان من أبناء تهامة في سبتمبر 2021، بينهم قاصر، في قضية مقتل القيادي صالح الصماد، رغم الإدانات الدولية الواسعة، مشددةً على أن هذه المحاكمات غالبًا ما تكون صورية، دون ضمانات قانونية، وتُنفذ أحيانًا علنًا لبث الرعب وتركيع المجتمعات المحلية.
وأضافت سام أن تقاريرها الحقوقية، ومنها تقرير "دون عدالة"، تشير إلى إصدار جماعة الحوثي أكثر من 500 حكم تعسفي منذ عام 2015، استهدفت معارضين ونشطاء ورجال أعمال، وافتقرت جميعها إلى الحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة، منوهة إلى أن هذه الأحكام لم تقتصر على السجن، بل ركزت بشكل مكثف على مصادرة الأموال والأصول، التي تجاوزت قيمتها ثلاثة مليارات دولار، وفقًا لتقريرها المعنون بـ"الحارس القضائي".
وأوضحت أن هذه المصادرات ليست إجراءات قضائية بقدر ما هي أدوات استراتيجية لتمويل الحرب وتعزيز السيطرة الاقتصادية، على حساب القطاع الخاص وحقوق المواطنين، ما أدى إلى مزيد من الإفقار واحتكار الموارد، وأكدت أن هذه الانتهاكات تُعد من جرائم الحرب، بموجب المادة (8) من نظام روما الأساسي، وتشمل تدمير ونهب الممتلكات دون ضرورة عسكرية في سياق النزاعات المسلحة، مشيرةً إلى أن مجموعة العمل المعنية بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة صنّفت مثل هذه المحاكمات ضمن الفئة الثالثة من الاعتقال التعسفي، ما يرتب على المجتمع الدولي مسؤولية قانونية وأخلاقية للتحرك.
وطالبت منظمة سام للحقوق والحريات جماعة الحوثي إلى التراجع الفوري عن أحكامها التعسفية، والإفراج غير المشروط عن المهندس عدنان الحرازي وجميع المعتقلين الذين جرت محاكمتهم بناءً على تهم كيدية وملفّقة، دون احترام لمعايير المحاكمة العادلة. وشددت على أن استمرار احتجازهم يُعد شكلًا من أشكال الاعتقال التعسفي، وخرقًا صريحًا للالتزامات القانونية التي تفرضها الاتفاقيات الدولية، داعية إلى إنهاء ممارسات توظيف القضاء كأداة للانتقام السياسي والاقتصادي، وضمان محاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات الجسيمة.
ودعت سام المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عاجلة، ليس فقط عبر الإدانة، بل من خلال آليات قانونية واضحة، تشمل دعم التحقيقات المستقلة، وتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية، وملاحقة المسؤولين أمام المحاكم الوطنية، وكذلك إدراجهم ضمن قوائم العقوبات الدولية، بما في ذلك تجميد الأصول وحظر السفر والتعامل المالي معهم. كما طالبت سام بضرورة مساءلة المحرضين والمنفذين لهذه الانتهاكات، سواء على المستوى الداخلي من خلال آليات العدالة الانتقالية، أو خارجيًا عبر المحكمة الجنائية الدولية أو لجان تقصي الحقائق، بما يضمن عدم إفلاتهم من العقاب.