جنيف - قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن الإجراءات التي تمارسها جماعة الحوثي وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي بحق المواطنين المنتمين للمحافظات الشمالية، من منع واحتجاز وترحيل، تعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لافتةً إلى أي تأخير في التحرك الجاد من قبل الأطراف المعنية والمجتمع الدولي سيكرّس حالة الإفلات من العقاب، ويقود إلى مزيد من الانقسام والتدهور الحقوقي في البلاد.
وذكرت منظمة سام أن عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي منعت عشرات المسافرين من أبناء المحافظات الشمالية من دخول مدينة عدن، عبر النقاط الأمنية في منطقة الفرشة بمديرية طور الباحة بمحافظة لحج، دون إبداء أسباب قانونية واضحة، مما أجبر العديد من المسافرين على العودة من حيث أتوا، فيما خضع آخرون لتفتيش دقيق واستجواب قائم على خلفيات مناطقية، في انتهاك صريح لحقهم في حرية التنقل الآمن داخل البلاد.
وأضافت المنظمة أن قوات الانتقالي في سقطرى اقتادت أكثر من عشرين مواطنًا من أبناء المحافظات الشمالية من أماكن متفرقة في مدينة حديبو، وقامت بترحيلهم قسرًا عبر سفينة صيد صغيرة إلى محافظتي المهرة والمكلا، دون إخطار عائلاتهم أو توفير أي ضمانات قانونية، كما أغلقت تلك القوات نحو 18 محلًا تجاريًا تعود ملكيتها لمواطنين شماليين، بتهمة بيع وترويج نبتة القات، دون أوامر قضائية أو مسوغات رسمية.
ونقلت سام عن المتحدث باسم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، محمد النقيب، قوله إن الإجراءات التي اتخذت بحق المسافرين في لحج، ومنع دخولهم إلى عدن، هي إجراءات أمنية “روتينية” لا تستهدف أحدًا بعينه، مشيرًا إلى أن حركة المرور تسير بشكل طبيعي، وأن جميع المسافرين يُعاملون وفقًا للقانون. وأضاف أن ما جرى يأتي ضمن المهام الاعتيادية للنقاط الأمنية بهدف حفظ الأمن، داعيًا إلى تحري الدقة في نقل المعلومات، والاعتماد على المصادر الرسمية، وعدم الانجرار خلف ما وصفها بـ”الشائعات المغرضة” التي تسعى لتشويه صورة القوات الأمنية وتقويض جهودها.
وفي السياق، أوردت سام أن جماعة الحوثي تواصل منذ أكثر من أسبوعين منع دخول المواشي والأبقار المستوردة إلى مناطق سيطرتها عبر منفذ الراهدة بمحافظة تعز، بحجة تحقيق الاكتفاء الذاتي، وقد تسبب هذا القرار في خسائر مادية فادحة للتجار نتيجة ارتفاع تكاليف الأعلاف والمياه، فضلًا عن تعرض المواشي لخطر الإصابة بالأمراض أو النفوق، بسبب بقائها لفترات طويلة في ظروف غير مناسبة، ودون وجود أي بدائل أو إشعارات مسبقة من السلطات الحوثية، بحسب المصدر أونلاين.
وأكدت سام أن هذه الممارسات تشكل سلوكًا ممنهجًا يرقى إلى التمييز العنصري، ويعمّق حالة الانقسام الجغرافي والاجتماعي، كما أنها تمثل انتهاكًا خطيرًا للمبادئ الدستورية الوطنية، ومبادئ القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يؤكد على الحق في حرية التنقل، وحق عدم التعرض للتمييز على أساس الأصل أو الانتماء الجغرافي أو الرأي السياسي، فضلًا عن أن هذه الانتهاكات تخالف المادة (9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه “لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا”.
واعتبرت سام أن هذه الممارسات الصادرة من أطراف مختلفة في البلاد تعكس أزمة احترام سيادة القانون، وتُفاقم الوضع الإنساني والمعيشي، كما تسهم في توسيع الفجوة بين مكونات المجتمع اليمني، وتعزز مناخ التمييز والتفرقة، في وقت يحتاج فيه اليمن إلى تعزيز التماسك المجتمعي والسلم الأهلي.
وأشارت المنظمة إلى أن استمرار هذه الانتهاكات سيؤدي إلى نتائج كارثية على النسيج الاجتماعي في اليمن، وسيمثل تهديدًا مباشرًا لمستقبل العدالة الانتقالية، ويقوّض أي جهود مستقبلية لتحقيق المصالحة الوطنية.
وطالبت منظمة سام للحقوق والحريات قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بوقف كافة الإجراءات التعسفية التي تحمل طابعًا مناطقيًا، والتي تطال بشكل متكرر أبناء المحافظات الشمالية، مؤكدة على ضرورة إعادة الاعتبار للضحايا الذين تعرضوا للمنع أو الترحيل أو المضايقات، وفتح تحقيقات شفافة ومحايدة في الانتهاكات التي شهدتها مناطق مثل عدن وسقطرى، بما يضمن محاسبة المسؤولين وعدم تكرار مثل هذه السلوكيات.
كما دعت المنظمة جماعة الحوثي إلى إنهاء سياسة التضييق الاقتصادي التي تنتهجها بحق المواطنين، والتي تجسدت مؤخرًا في قرار منع دخول المواشي المستوردة إلى مناطق سيطرتها، وهو القرار الذي ألحق أضرارًا فادحة بالتجار والمواطنين على حد سواء. واعتبرت أن من حق المتضررين الحصول على تعويضات عادلة، مشددة على ضرورة تبني سياسات اقتصادية عادلة تراعي أوضاع الناس وتخفف من معاناتهم، لا أن تزيدها تعقيدًا.
وشددت المنظمة على أن جميع الأطراف اليمنية مطالبة بالامتناع الكامل عن استخدام السلطة لأغراض مناطقية أو سياسية، والعمل بجدية نحو دعم قيم التعايش والاحترام المتبادل بين المواطنين، باعتبار ذلك السبيل الوحيد نحو بناء دولة القانون، وإنهاء حالة التشرذم والانقسام التي تعصف بالبلاد.
ولفتت سام إلى أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي في هذه المرحلة، من خلال دعم آليات الرصد والتوثيق المستقلة، وتمكين منظمات المجتمع المدني من أداء دورها في بيئة آمنة، إلى جانب توسيع نطاق العقوبات ضد الأفراد والكيانات المتورطة في انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، بما يعزز مناخ المساءلة، ويحد من الإفلات من العقاب.