تتويج لانتهاكات متواصلة..
الحكم الصادر بحق الصحفي محمد المياحي تطور خطير يستدعي تحركًا دوليًا
  • 24/05/2025
  •  https://samrl.com/l?a5516 
    منظمة سام |

    جنيف - قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن الحكم الصادر عن المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة في العاصمة صنعاء، اليوم 24 مايو 2025، بحق الصحفي والكاتب محمد دبوان المياحي، والقاضي بإدانته بالتهم المنسوبة إليه ومعاقبته بالسجن لمدة سنة ونصف، بالإضافة إلى إلزامه بتعهد كتابي وتقديم ضمان مالي قدره خمسة ملايين ريال، يمثل ذروة مسلسل طويل من الانتهاكات القانونية والحقوقية التي تعرض لها منذ لحظة اعتقاله في 20 سبتمبر 2024 وحتى صدور الحكم. واعتبرت المنظمة أن هذه التطورات في ملف الصحفي المياحي تمثل تصعيدًا خطيرًا يفاقم من حجم المعاناة الإنسانية، ويستدعي تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي لوضع حد للانتهاكات المتزايدة.

    وأكدت "سام" أن هذا الحكم يُعد انتهاكًا صارخًا للحق في حرية الرأي والتعبير، المكفول في المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك المادة (10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اللتين تؤكدان على حق كل فرد في محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة ونزيهة. وأوضحت أن إحالة الصحفي إلى محكمة جزائية متخصصة – تُعد في حقيقتها محكمة استثنائية – يشكّل خرقًا قانونيًا، لا سيما وأن التهم المنسوبة إليه تتعلق أساسًا بعمله الصحفي.

    وذكرت "سام" أن الإجراءات المتبعة منذ اعتقال الصحفي، مرورا بظروف احتجازه القاسية، ثم المحاكمة أمام محكمة غير مختصة، تكشف بوضوح الطابع السياسي للقضية، وتفضح توظيف المنظومة القضائية كأداة لقمع حرية الصحافة وتكميم الأفواه. فقد تم اعتقال الصحفي المياحي من قبل قوات تابعة لجماعة الحوثي دون إذن قضائي، واحتُجز في زنزانة انفرادية، مُنع خلالها من أبسط حقوقه الإنسانية، كما تم التحقيق معه من قبل جهات أمنية مستحدثة وغير منصوص عليها في القوانين اليمنية، في مخالفة فادحة لقانون الإجراءات الجزائية اليمني.

    وأوردت المنظمة أن محامي الصحفي، الأستاذ عمار علي ياسين، قدم دفوعًا قانونية متماسكة أمام المحكمة تُثبت بطلان إجراءات الاعتقال والتحقيق، وعدم اختصاص المحكمة الجزائية المتخصصة بالنظر في القضايا المتعلقة بالصحفيين. كما أوضح أن النيابة نفسها كانت قد أقرت في البداية بعدم اختصاصها، ثم تراجعت تحت ضغوط مجهولة المصدر. ورغم ذلك، تجاهلت المحكمة تلك الدفوع، واستمرت في السير بإجراءات محاكمة تنتهك المعايير الأساسية للعدالة.

    في تصريح خاص لمنظمة سام، أفاد المحامي عمار علي ياسين، محامي المعتقل محمد المياحي، أن النيابة قدمت في الجلسة أدلة جديدة ومحضر تكميلي يتمثل في صور لمنشورات وصفها الدفاع بأنها "ملفقة".

    وأشار المحامي إلى أنهم اعترضوا على هذه الأدلة، مبينين أن صفحة موكلهم لم تعد موجودة من الأساس، ولو كانت موجودة، لقدمت هيئة الدفاع نفسها منشورات أخرى لمحمد المياحي تكون ضد العدوان ومع المقاومة، في إشارة إلى أن النيابة كانت تجتزئ من منشوراته.

    وذكر ياسين أن النيابة والمحكمة ردت على دفعهم بعدم الاختصاص بنفس الحجة السابقة، وهي أن "هذه الجرائم تمس أمن الدولة" وأنها تتعلق بـ"إذاعة الأخبار التي تكدر الأمن العام".

    ولفت المحامي إلى أنهم ردوا على هذه الحجة، مؤكدين أن "قانون الصحافة أيضاً نص على إذاعة الأخبار التي تكدر الأمن العام وذكرها كلها وناقشها وفعل لها العقوبة المناسبة". واعتبروا أن حجة النيابة والمحكمة لولاية الاختصاص للمحكمة الجزائية المتخصصة هي "حجة واهية" وقد "حسمها قانون الصحافة".

    وأضاف ياسين أن محمد المياحي نفسه تكلم في الجلسة، موضحاً أنه يقيم في صنعاء ويحتكم إلى قوانينها وإلى قانون الصحافة، وأنه حتى لو كان قد ارتكب مخالفة، فـ"الأصل أنه يعاقب ويناقش وفق القانون الصحافة".

    وأكد المحامي أن موكله هو "عبارة عن كاتب يقدم آراء ويقدم أفكاراً" وهو "لا يذيع أخباراً ولا ينشر أخباراً" بالمعنى التقليدي، وقد يقوم بتعديل أفكاره أو يتراجع عنها أحياناً. واعتبر أن "الاجتزاء من منشوراته" هو "تجني عليه" و"تحريض من قبل النيابة العامة عليه".

    وأفاد ياسين أن القاضي حجز القضية للحكم بعد ذلك وأقفل باب المرافعة. ثم اكتشف الدفاع أن "الحكم جاء أصلاً من البداية في تلفونه في الملاحظات في قائمة الملاحظات"، وأن القاضي لم يقرأ مسودة الحكم كاملة لتوضيح كيفية رده على الدفوع أو سبب رجحان اختصاص المحكمة الجزائية المتخصصة.

    وأشار المحامي إلى أن القاضي قرأ منطوق الحكم مباشرة، وأنه قال لمحمد قبل النطق بالحكم إنه قد "راعاه" وحاول التخفيف عنه، وتحدث عن أن حرية التعبير "مكفولة قانوناً". واعتبر الدفاع أن هذا الكلام "ماهوش صحيح"، وأن القاضي كان "يحاول يهدد محمد قبل أن ينطق بالحكم" بأن الحكم سيكون لصالحه.

    وصدر الحكم النهائي بإدانة محمد المياحي والحكم عليه بـ"سنة ونصف" حبساً. كما قضى الحكم بـ"مصادرة الأجهزة واللاب توب والتلفون"، و"الرقابة عليه لمدة ثلاث سنوات بعد الخروج من قبل الأمن"، بالإضافة إلى "كتابة تعهد كتابي وضمانة تجارية بخمسة ملايين ريال إذا أعاد النشر مرة أخرى".

    واختتم المحامي تصريحه بالقول إنهم قيدوا استئنافهم في المحضر فوراً، واصفين الحكم بأنه "جائر وظالم". ولفت إلى أن محمد أعيد إلى السجن "مكبلاً" و"رفضوا أن يفكوا القيد من يديه"، وكان معه "حراسة مشددة"، مبيناً أن هذه "الإجراءات" هي التي تتم في "المحكمة الجزائية المتخصصة".

    ولفت المحامي عبد المجيد صبرة إلى أنه تم قراءة منطوق الحكم من التلفون، مضيفًا أن كل هذا الاستهداف للمياحي كان بسبب منشوره المتعلق بالخروج إلى السبعين انتقاماً للمساس بكبيرهم. ورأى أن قرار الاتهام ومزاعم التواصل بقناة بلقيس ويمن شباب لم تكن سوى تغطية للسبب الحقيقي، ودلل على ذلك بـ مناقشة القاضي ربيع الزبير للمياحي حول حرية الخروج إلى السبعين، على الرغم من أن قرار الاتهام لم يُشر إلى هذا الموضوع.

    ونقلت سام عن نقابة الصحفيين اليمنيين إدانتها الشديدة للحكم الصادر عن المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة التابعة لجماعة الحوثي بصنعاء بحق الصحفي محمد دبوان المياحي، معتبرةً أن هذا الحكم يمثل امتدادًا لانتهاكات ممنهجة تطال حرية الصحافة والتعبير في مناطق سيطرة الجماعة. وأكدت النقابة أن استخدام القضاء كأداة لقمع الصحفيين وإسكات الأصوات الناقدة يفضح انهيار منظومة العدالة، مشيرة إلى أن منطوق الحكم تمت قراءته من هاتف القاضي في قاعة المحكمة، في سابقة تعكس غياب أدنى معايير المحاكمة العادلة.

    وشددت "سام" على أن هذا الحكم لا يشكل فقط مساسًا بحق الصحفي محمد المياحي، بل يُعد تهديدًا مباشرًا لكل الصحفيين في اليمن، ورسالة ترهيب ممنهجة تستهدف حرية الإعلام في البلاد. وأكدت أن تجريم العمل الصحفي وتحويل التعبير عن الرأي إلى "جرائم أمن دولة" هو سلوك استبدادي يتعارض مع الدستور اليمني، وقانون الصحافة النافذ، الذي ينص بوضوح على وجوب محاكمة الصحفي أمام قاضيه الطبيعي – أي محكمة الصحافة – وليس أمام محاكم استثنائية.

    وندّدت المنظمة باستخدام القضاء أداة لتصفية الحسابات مع أصحاب الرأي، وتحويله إلى وسيلة قمع، بدلًا من أن يكون ملاذًا للعدالة. كما نددت باستخدام المحاكمات العلنية كغطاء شكلي في حين تغيب الضمانات الحقيقية للمحاكمة العادلة، مثل الحياد القضائي، وضمانات الدفاع، والشفافية في إجراءات التحقيق.

    وفقًا لمنظمة سام، اختُطف المياحي في 20 سبتمبر/أيلول 2024 من منزله على يد قوات مسلحة تابعة للحوثيين دون أي أمر قضائي، وتعرض للإخفاء القسري لعدة أشهر. وخلال فترة احتجازه، احتُجز في الحبس الانفرادي وحُرم من حقوقه الإنسانية الأساسية، بما في ذلك التمثيل القانوني والزيارات العائلية. ولم تُوجه إليه سوى التهم الموجهة إليه بسبب كتاباته المنشورة ومنشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي، التي انتقد فيها سلطات الحوثيين وعبّر فيها عن آراء مستقلة.

    وأشارت سام إلى أن محاكمة المياحي تُجسّد مناخًا قمعيًا أوسع نطاقًا ومتزايدًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فعلى مدار السنوات الأخيرة، وسّعت سلطات الأمر الواقع شبكة من الأجهزة الأمنية حديثة النشأة وغير المعترف بها قانونًا، والتي تعمل خارج نطاق القانون اليمني. وقد لعبت هذه الأجهزة دورًا فعالًا في الاعتقال التعسفي للصحفيين والنشطاء والمعارضين، مستخدمةً الترهيب والممارسات خارج نطاق القضاء لقمع المعارضة، مشددة على إن هذا التآكل المنهجي للحريات المدنية، إلى جانب تسليح القضاء، يعكس جهداً متعمداً لقمع أي شكل من أشكال حرية التعبير وفرض السيطرة الكاملة على المعلومات.

    وطالبت "سام" بإلغاء الحكم الجائر فورًا، وإسقاط كافة التهم الموجهة إلى الصحفي محمد المياحي، وضمان الإفراج عنه دون قيد أو شرط، مع تعويضه عن الضرر النفسي والجسدي الذي لحق به جراء هذه الانتهاكات. كما دعت إلى فتح تحقيق مستقل في ظروف احتجازه ومحاكمته، ومحاسبة جميع المتورطين في الانتهاكات القانونية والحقوقية بحقه.

    ودعت المنظمة المجتمع الدولي، والهيئات الحقوقية، ونقابات الصحفيين، إلى التحرك العاجل لممارسة الضغط على جماعة الحوثي من أجل وقف هذه الممارسات القمعية، والعمل على حماية الصحفيين في اليمن من الملاحقة والتنكيل، والتأكيد على أن حرية الصحافة ليست جريمة، بل هي ركن أساسي لأي مجتمع ديمقراطي.

    واختتمت سام بيانها بالتشديد على أن استمرار محاكمة الصحفيين في محاكم استثنائية هو مؤشر مقلق على تراجع الحريات وتدهور سيادة القانون في اليمن، مؤكدة أن أي عملية قضائية لا تحترم أبسط قواعد العدالة، لا يمكن الاعتراف بشرعيتها، ولا يجب القبول بنتائجها.

     

  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير