
ترحب منظمة سام للحقوق والحريات بالاتفاق الذي جرى التوصّل إليه في سلطنة عُمان، برعاية سلطنة عمان وبإشراف الأمم المتحدة، خلال الجولة العاشرة من مشاورات ملف المحتجزين والمختطفين بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي، والذي أُعلن عنه يوم الثلاثاء 23 ديسمبر/كانون الأول في مسقط، وأسفر عن اتفاق واسع النطاق للإفراج عن آلاف المحتجزين والمختطفين من مختلف الأطراف.
وتُثمّن المنظمة هذا التطور باعتباره خطوة إنسانية مهمّة تسهم في التخفيف من المعاناة الممتدّة لآلاف الأسر، كما تمثّل مؤشرًا إيجابيًا على إمكانية تحقيق تقدّم عملي في الملفات الإنسانية ذات الطابع العاجل متى ما توافرت الإرادة السياسية والضمانات الدولية الكافية.
ووفقًا للاتفاق، اتفق الطرفان على إبرام صفقة لتبادل نحو 2900 محتجز وأسير، يتقدّمهم السياسي اليمني محمد قحطان المشمول بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. وقد أكّد الطرف الأول، ممثّلًا بـ مؤسسة الأسرى والمحتجزين (عن الحكومة اليمنية والتحالف العربي)، والطرف الثاني، ممثّلًا بـ اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين (عن جماعة الحوثي)، التزامهما الكامل بتنفيذ اتفاق ستوكهولم، ولا سيّما ما يتعلّق بآليات الإفراج المرحلي باعتبارها مسارًا قانونيًا وإنسانيًا يقود إلى الإفراج الشامل عن جميع المحتجزين دون استثناء.
وبحسب المعطيات المتاحة، تضمّن الاتفاق الإفراج عن 1700 محتجز من جماعة أنصار الله (الحوثيين)، مقابل الإفراج عن 1200 محتجز من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إضافة إلى ترتيب خاص يقضي بالإفراج عن 50 محتجزًا من جماعة الحوثيين مقابل الإفراج عن محمد قحطان، فضلًا عن الإفراج عن طيّارين اثنين وخمسة محتجزين آخرين من المواطنين السعوديين، و15 محتجزًا من المواطنين السودانيين، في إطار تبادل ذي طبيعة إنسانية عابرة للحدود.
كما شدّد الاتفاق على منح أولوية للفئات الأشدّ ضعفًا، بما يشمل المرضى والجرحى، والقُصّر، وكبار السن، والأشخاص الذين طال أمد احتجازهم، وذلك اتساقًا مع أحكام القانون الدولي الإنساني، ولا سيّما القواعد المتعلقة بحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية.
وتؤكد منظمة سام أن معالجة ملف الاحتجاز في اليمن يجب ألا تقتصر على ترتيبات تبادلية مؤقتة، بل يتعيّن أن تكون جزءًا من مقاربة حقوقية شاملة تهدف إلى وضع حدّ لظاهرتي الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، وضمان الكشف عن مصير جميع المخفيين، وتأمين المساءلة القانونية، وجبر الضرر للضحايا وأسرهم، وعدم تكرار هذه الانتهاكات.
وفي هذا الإطار، تدعو منظمة سام للحقوق والحريات جميع الأطراف المعنية إلى عدم الاكتفاء بمرحلة الإفراج، وإيلاء اهتمام جادّ وممنهج بمرحلة ما بعد إطلاق السراح، من خلال وضع وترتيب برامج متكاملة لإعادة الإدماج والتعافي طويل الأجل للمفرج عنهم، ولا سيّما أولئك الذين تعرّضوا لاحتجازات مطوّلة. وتشدد المنظمة على أن هذه البرامج ينبغي أن تشمل الدعم النفسي والاجتماعي، والرعاية الصحية المتخصصة، وإعادة التأهيل القانوني والاقتصادي، بما يضمن استعادة الضحايا لكرامتهم وقدرتهم على الاندماج في المجتمع، ويُسهم في معالجة الآثار العميقة والممتدّة للاحتجاز التعسفي على الأفراد وأسرهم، وذلك انسجامًا مع المعايير الدولية ذات الصلة بحقوق الضحايا وجبر الضرر وعدم التكرار.
وتدعو المنظمة جميع الأطراف إلى التنفيذ الكامل والدقيق لما تم الاتفاق عليه، وبحسن نية، وتحت رقابة أممية فعّالة وضمانات واضحة، كما تحثّ المجتمع الدولي على مواصلة الاضطلاع بمسؤولياته القانونية والأخلاقية، والضغط من أجل الإفراج غير المشروط عن جميع المحتجزين والمختطفين، باعتبار ذلك مدخلًا أساسيًا لبناء الثقة، واحترام الكرامة الإنسانية، وتهيئة بيئة مواتية لأي مسار سلام مستدام في اليمن.